عم أنا مراهق
لا تتعجب من جرأتي، فهذا ليس عيبًا حتى أتبرأ منه، أو اتهامًا لأدفعه عن نفسي، فهذه حقيقة واقعة أعيش فصولها الآن، ولفترة زمنية ستطول لعدة سنوات بإذن الله، قد تكون من أهم سنوات حياتي، ولكنها مرحلة لا بد من المرور بها شئت أنا أم أبيت.
قد تعجب من حكمتي وكلامي عن نفسي وكأنني رجل ناضج، وقد يكون معك بعض الحق نظرًا لما تراه من جهل أغلب أبناء جيلي بطبيعة مرحلتهم السنية وكيفية التعامل معها بصورة صحيحة، ولكن لا تلقي باللوم عليهم وحدهم فالآباء والمعلمون مقصرون أيضًا في تثقيف أبنائهم وبناتهم بطبيعة هذه المرحلة، فقلما تجد أبًا يجلس مع ولده ليعلمه طبيعة هذه المرحلة الحرجة والتطورات والتغيرات التي تحدث له فيها.
وبما أن أغلب الآباء والأمهات مشغولون بالسعي على الرزق، ويصبون جل اهتمامهم في أن يكون أبناؤهم متفوقين في دراستهم، وبما أن أغلبهم لا يحاولون تثقيف أنفسهم للوصول إلى هذا المستوى من الوعي الذي يؤهلهم لصياغة شخصية سوية خالية من المشكلات والعقد النفسية التي ربما تظهر في هذه المرحلة، وبما أن أغلب الشاب إلا من رحم الله يعانون أيضًا من جهل بطبيعة هذه المرحلة؛ فقد أخذت العهد على نفسي أن أبعث برسائل تربوية لكل من يهمه الأمر، من شباب مراهقين، وآباء وأمهات، أُعرِّفهم من خلالها بشخصيتي، وبمرحلتي السنية، وطبيعة التغيرات التي أمر بها؛ حتى يعي الشباب طبيعة مرحلتهم، فيحسنوا التعامل معها، وأيضًا يعي الآباء والمربون طبيعة المرحلة التي يمر بها أبناؤهم، ليحسنوا هم أيضًا التعامل معها.
من أكون؟
أنا إنسان يمر بمرحلة سنية يسميها علماء التربية مرحلة المراهقة، وهي باختصار (المرحلة التي تسبق الرشد، وتصل بالفرد إلى اكتمال النضج، فهي تبدأ من البلوغ حتى سن الرشد) [علم النفس التربوي، أحمد زكي صالح]
ويمكنك القول أنها (فترة يمر بها كل فرد، وهي تبدأ بنهاية مرحلة الطفولة، طويلة أو قصيرة وطولها أو قصرها يختلف من مجتمع لآخر، ومن طبقة اجتماعية لطبقة اجتماعية أخرى، بل ويختلف أيضًا في المجتمع الواحد تبعًا للظروف الاقتصادية) [المدخل إلى علم نفس النمو، عباس محمود عوض]
وعمري يقع ما بين 12 سنة إلى 21 سنة مقسمًا على المراحل التالية:
(1- المراهقة المبكرة [12-13-14-15]
2- المراهقة المتوسطة [15-16-17-18]
3- المراهقة المتأخرة [18-19-20-21]) [بلوغ بلا خجل، أكرم رضا]
وهي مرحلة التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي والتعليم الجامعي، ومن هنا تكمن خطورة هذه المرحلة في حياة الشباب وحياة الأمم أيضًا، فإنما تقوم النهضات وتبعث الأمم بشبابها.
وتنبع أهمية مرحلة المراهقة التي أمر بها (بسبب تأثيراتها الحالية على الاتجاهات والسلوك، وأيضًا بسبب تأثيراتها طويلة المدى في حياة الشاب) [علم نفس النمو، سيد محمود الطواب] ، كما أنها (مرحلة تجمع بين مظاهر البلوغ المتعددة، وبين مظاهر الاضطراب وعدم الاتزان)[المراهقون، عبد العزيز النغيمشي] .
إذن هي مرحلة هامة أمر بها في حياتي، أتعرض فيها لمجموعة من التغيرات والتطورات الجسدية والعقلية، التي تؤثر على حالتي النفسية والانفعالية، مما تجعلني في بعض الأحيان مضطربًا قلقًا، كثير التغيرات والتحولات في آرائي ومواقفي.
ماذا حدث لي؟
لقد تغيرت كثيرًا عن أيام الطفولة والصبا وفي جوانب متعددة:
1- جسديًا
فقد صار صوتي أكثر خشونة، ووزني أثقل، وبدت علي علامات الرجولة من لحية وشارب وغيرها، وذلك لأن جسدي (يواجه عملية تحول كاملة في الوزن والحجم والشكل والأنسجة والأجهزة الداخلية وفي الهيكل والأعضاء الخارجية) [المراهقون، عبد العزيز النغيمشي] .
وهذه التغيرات تكون سريعة ومتعاقبة، على عكس ما يحدث في مرحلة الطفولة (فالنمو العضوي في المراحل السابقة للطفل كان مطردًا متدرجا بطيئًا، أما في مرحلة المراهقة؛ فإن الفرد يحس بالتغير العضوي السريع المتتابع، بل والمفاجئ أحيانًا، والذي لم يعهده من قبل، وهذا أمر يشهده ويتعجب له الراشدون من الكبار، عندما يفاجئون بالطفل وقد بدا طويل القامة، مفتول الساعدين، عليه سمات أجسام الرجال) [المراهقون، عبد العزيز النغيمشي] .
وهذه التحولات السريعة المتلاحقة هي التي تفسر في كثير من الأحيان ميل البعض من أبناء جيلي لاستعراض ما لديهم من قوة ولفت الأنظار إليهم، ويفسر كذلك ميل الكثير إلى الألعاب المعنية ببناء الجسد والعضلات مثل "بناء الأجسام" ( Body Building ) وغيرها من الألعاب.
ولكن مع فرحة المراهق بالتغيرات الجسدية التي تحدث له؛ إلا أن المجتمع من حوله لا بد أن يدرك أن المراهق يكون في أغلب الأحيان (حساسًا للنقد الجسمي والشكلي من ذويه وزملائه ومدرسيه والجنس الآخر) [النمو النفسي، محمد مصطفى زيدان] .
2- عقليًا
وفي هذه المرحلة ينمو عقلي بصورة سريعة أيضًا، ومتلاحقة وأُصبح أكثر قدرة على التخيل وتصور الأبعاد المتعددة للقضية الواحدة في وقت واحد، ومن هنا ينبع الخلاف الذي يحدث غالبًا بيني وبين أبوي والقائمين على تعليمي، فقد صار لي رأي ووجهة نظر، ومن حقي الدفاع عنها، وصرت لا أرضى بالتبعية للأراء، وأصبحت محبًّا للنقاش والجدال، لا يكاد يمر موقف إلا ولي فيه رأي.
ويمكن وصف هذا التغير ببساطة شديدة، بمقارنة بسيطة بين عقلي في مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة (فالطفل يمكنه أن يستوعب ما هو كائن فعلا، بينما يستطيع المراهق تخيل ما يمكن أن يكون) [علم نفس النمو، سيد محمود الطواب]
وبالرغم من هذا التطور في التفكير؛ إلا أنني لا زلت أعاني من بعض السلبيات التي قد تعوقني عن التواصل الصحيح مع المجتمع، وذلك لأن تفكيري يتصف بأمرين:
- المثالية:
فقدرتي على التخيل تعطيني فرصة التفكير للوصول إلى حلول مثالية للمشكلات التي أمر بها، ومن ثم أتخيل مجتمعا مثاليًا، وأسرة مثالية، وأصدقاء مثاليون، ومن هنا ينشأ الصراع (فلأن المراهق يكون مثاليًا في التفكير وتصدر عنه آراء مثالية، ومطالب نموذجية تواجه بالرفض والإهمال من قبل الوالدين أو المجتمع؛ ينشأ عن ذلك صراع بينه وبين الأسرة، أو بينه وبين المجتمع، مما يؤدي إلى سلبية الشاب وتشاؤمه، ويمكن أن نمثل هذه المشكلة بالمعادلة التالية:
آراء ومطالب مثالية + رفض مستمر دون بيان = صراع أو اغتراب )[المراهقون، عبد العزيز النغيمشي]
2- الحيرة والنقد
وبسبب نمو قدرتي على تصور المواقف المختلفة وإيجاد بدائل للمشكلات؛ تظهر مشكلة جديدة، وهي مشكلة الحيرة بين هذه البدائل عند محاولة اتخاذ القرار بينها، ولكني في النهاية أختار قراري بنفسي، ولهذا فلا بد من جو يساعدني على ذلك لتكون قراراتي صائبة.
(ورغم ما يواجهه المراهق من حيرة بين البدائل؛ إلا أنه ينزع إلى اتخاذ القرار بنفسه، واختياره الحل الذي يقتنع به، لكنه قد يخفق في كثير من الأحيان ويفشل، ما لم تتم إحاطته بوسط يساعده على اتخاذ القرار المناسب، بطريقة غير مباشرة أو بطريقة مباشرة غير ملزمة) [المراهقون، عبد العزيز النغيمشي]
وهذه الحيرة قد تدفع البعض للسخرية مني ومن تفكيري، أو تهميشي وعدم إعطائي مسئوليات تتناسب مع سني، وهم لا يعلمون أن لدى المراهق (مستوى من النضج العقلي يمكنه من الشعور بالهامشية عندما يكون مهملًا منبوذًا، ومن الشعور بالقيمة عندما يكون ممكنًا مسئولًا، وهو يستطيع أن يدرك إدراكًا عاليًا مدى ارتباط صورته عند الناس بمهماته وأعماله ومسئولياته وممارساته، وهذا مؤشر مهم على إيجابية تفكيره، وتفتح هذا التفكير على الحياة) [المراهقون، عبد العزيز النغيمشي]
3- انفعاليًّا
قد تلاحظون أني في أغلب الأحيان سريع الغضب، متسرع في اتخاذ القرارات، متعجل دائمًا في ممارسة الأعمال واقتناء الحاجات، وهذا أمر طبيعي فهذه هي السمات الانفعالية لهذه المرحلة التي أعيشها الآن.
وفي دراسة طريفة حول المدى الزمني للغضب عند أبناء جيلي من المراهقين (وجد الباحثون أن 90% من حالات الغضب عند الأطفال لا تستمر أكثر من 5 دقائق، بينما يبلغ متوسط المدى الزمني لحالات الغضب في المراهقة هو 15 دقيقة، وقد يصل إلى 48 ساعة) [الأسس النفسية للنمو، فؤاد البهي السيد]
الى كل من قرا هذا الموضوع ان يدعوا بالرحمة الى كل شهداء هذا الوطن الحبيب وشهداءارض غزة المباركة
والتوفيق والسداد في الدنيا وان يهبنا ربنا الجنة والناس اجمعين