بومة؟ يا حفيظ!
مسكين طائر البوم، ينفر منه الناس ولا يسعدون لرؤيته، بل يتشاءمون.
وهو - في الحقيقة - لا يخلو من ملامح الجمال؛ كما أنه يمتلك قدراتٍ خاصَّةً،
ومهاراتٍ متميِّزةً. وبالرغم من ذلك، فإن اسمه - في كثير من لغات البشر في العالم -
يعني "الساحرة الشرِّيرة"!..
ولا ناقة له ولا جمل، في هذه السمعة غير الطيبة، التي التصقت به.
قد يكون السبب في انزعاجنا عند رؤية البوم أننا لم نعتد على رؤيته إلاَّ ليلاً،
وفي الأماكن غير المأهولة؛ فمعظم أنواع البوم من الطيور الليلية، تنام النهار
وتنشط بالليل؛ وقد ننزعج - أيضاً - عند النظر في عينيه الواسعتين اللامعتين،
اللتين لا تتحرَّكان في محجريهما، بل تبقيان ثابتتين، موجَّهتين إلى الهدف الذي ترصده.
لقد عوَّض الله البوم عن هاتين العينين الجامدتين، برأس قادرة على أن تدور،
مرتكزةً على المحور الرأسي للرقبة، بحرِّية تامة، وفي دائرة كاملة، بحيث يمكنها
أن تلفَّ من الأمام إلى الخلف، في لحظة خاطفةٍ، بينما جسمها في موضعه، لا يتحرَّك.
وهذه القدرة تساعد البومة على سرعة رصد الأعداء، أو الفرائس، لتتخذ قرارها،
بالدفاع أو بالهجوم!
والشائع بين الناس أن البوم قادر على الرؤية في الظلام التام، وهذا غير صحيح،
فلا بد من وجود الضوء حتى يتمكن من الرؤية. والحقيقة، أن البوم قادر على
الرؤية في الضوء الشحيح، فعيناه المتَّسعتان تستطيعان التقاط أوهن الآشعة الضوئية.
وقد اكتشف العلماء، مؤخَّراً، أمراً عجيباً في الإمكانات السمعية لدى طائر البوم،
فقد لاحظوا أن العين تقع في مركز دائرة متَّسعة، تشبه طبق فنجان القهوة؛
واتضح لهم أن لهذا الطبق حساسية فائقة في استقبال أضعف الأصوات، وتجميعها،
وتوصيلها إلى الأذن. فإذا أضفنا هذا إلى الإمكانات الخاصة للأذن ذاتها، كجهاز متقدِّم
يمكنه التعرُّف على أدقِّ الأصوات، اكتملت للبوم أدواته كصيَّاد ماهر؛ فإذا سمعت
البومة صوت حركة فريستها، ورصدت عيناها موقعها، فإنها تنقضُّ، في لمح البصر،
كأحدث طائرة حربية، لتخطف الحيوان، سيئ الحظ، بين مخالبها.
ولكي يكتمل عنصر المفاجأة، فإن البومة، وهي تداهم ضحيتها،
لا يصدر عنها صوت يثير الانتباه؛ إذ أن ريش جناحيها ناعم جداً، يضرب الهواء في ليونة،
فلا يكون للجناحين المرفرفين صوتٌ يُسمع. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البومة لا تحتاج
لأن تضرب الهواء، أو لأن ترفرف، بجناحيها كثيراً؛ فالجناحان كبيران بما فيه الكفاية،
حتى أنهما يستطيعان أن يحملا الجسم بسهولة، فترى البومة تحوِّم وتناور في الهواء،
بانسيابية بديعة، كما لو كانت طائرة شراعية.
فإذا انتهى البوم من صيد طعامه، وشبع، لا يجد حرجاً في أن يملأ الدنيا ضجيجاً
بأصوات النعيق التي تصدر عنه، والتي يشتهر بها؛ فالبوم - والحق يُقال - طائر ثرثار،
ما إن يلتقي منه اثنان حتى يشتبكان في حديث لا يكاد ينتهي!
ومن الخصال غير الحميدة في البوم، أنه كسول، فيما يختصُّ بإنشاء مسكنه؛
فهو يفضِّلُ المساكن الجاهزة؛ فهو يراقب طيور "العقعق"، و"أبو زريق"، حتى تغادر أعشاشها،
فيحلُّ بها، محتلاًّ!. وثمة نوع يعيش في أمريكا الشمالية، ويسمَّى بوم الجحور،
لا يهنأ له عيش إلاَّ في جحور محفورة في الأرض؛ ولكنه لا يحفرها بنفسه - ولا يستطيع -
وإنما يسكن الجحور التي تحفرها الكلاب البريَّة، ثم تهجرها.
إن البوم، الذي يبدو مزعجاً ومثيراً لمخاوفنا، طائر يعرف المشاعر الأبوية،
ويقدِّس الحياة الأُسريَّة؛ ولا ينقطع الأبوان عن رعاية الصغار وإطعامهم وتعليمهم
أُصول الطيران والقنص، حتى يطمئنَّا إلى اكتسابهم المهارات الأساسية، التي تعينهم
على الانطلاق في الحياة، مستقلِّين، ومعتمدين على أنفسهم.
*******
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]